الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لاَ يقاتلونكم} أي اليهودَ والمنافقونَ بمعنى لا يقدرونَ على قتالِكُم {جَمِيعًا} أي مجتمعينَ متفقينَ في موطنٍ من المواطنِ {إِلاَّ في قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} بالدروبِ والخنادقِ {أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} دونَ أنْ يصحرُوا لكُم ويبارزُوكم لفرطِ رهبتِهِم وقرئ جُدْرٍ بالتخفيفِ وقرئ جِدَارٍ وبإمالةِ فتحةِ الدالِ وجَدْرِ وجدر وهما الجدارُ {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} استئنافٌ سيقَ لبيانِ أن ما ذكرَ من رهبتِهِم ليسَ لضعفِهِم وجبنِهِم في أنفسِهِم فإنَّ بأسَهُم بالنسبة إلى أقرانِهِم شديدٌ وإنما ضعفُهُم وجبنُهُم بالنسبةِ إليكُم بما قذفَ الله تعالَى قلوبَهُم من الرعبِ {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا} مجتمعينَ متفقينَ {وَقُلُوبُهُمْ شتى} متفرقةٌ لا أُلفةَ بينَهَا {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي ما ذُكِرَ منْ تشتتِ قلوبِهِم بسببِ أنَّهُم {قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أي لا يعقلونَ شيئًا حتَّى يعرفُوا الحقَّ ويتبعُوه وتطمئنَ به قلوبُهُم وتتحدَ كلمتُهُم ويرمُوا عن قوسٍ واحدةٍ فيقعونَ في تيهِ الضلالِ وتشتتِ قلوبِهِم حسبَ تشتتِ طرقِهِ وتفرقِ فنونِهِ، وأمَّا ما قِيل مِنْ أنَّ المعنى لا يعقلونَ أنَّ تشتتَ القلوبِ مما يُوهِنُ قُواهُم فبمعزلٍ منَ السدادِ..وقولهُ تعالَى: {كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ مثلُهم أيْ مثلُ المذكورينَ من اليهودِ والمنافقينَ كمثلِ أهلِ بدرٍ أو بني قَينُقَاع على ما قيلَ من أنهم أُخرِجُوا قبلَ بني النضيرِ {قَرِيبًا} في زمانٍ قريبٍ، وانتصابُهُ بمثَلِ، إذِ التقديرُ كوقوعِ مثلِ إلخ {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي سوءَ عاقبةِ كُفرِهِم في الدُّنيا {وَلَهُمْ} في الآخرةِ {عَذَابٌ أَلِيمٌ} لا يُقَادِرُ قَدْرُهُ والمَعْنَى أنَّ حالَ هؤلاءِ كحالِ أولئكَ في الدُّنيا والآخرةِ لكنْ لا على أنَّ حالَ كُلِّهم كحالِهِم بلْ حالُ بعضِهِم الذينَ هم اليهودُ كذلكَ وأما حالُ المنافقينَ فهيَ ما نطقَ به.قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشيطان} فإنَّه خبرٌ ثانٍ للمبتدأ المقدرِ مبينٌ لحالِهِم متضمنٌ لحالٍ أُخْرَى لليهودِ وهي اغترارُهم بمقالةِ المنافقينَ أولًا وخيبتُهُم آخِرًا وقد أُجْمِلَ في النظمِ الكريمِ، حيثُ أُسنِدَ كلٌّ من الخبرينِ إلى المقدرِ المضافِ إلى ضميرِ الفريقينِ منْ غير تعيينِ ما أُسْنِدَ إليهِ بخصوصِهِ ثقةً بأنَّ السامعَ يردُّ كلًا من المثلينِ إلى ما يماثلُهُ كأنَّهُ قيلَ مثلُ اليهودِ في حلولِ العذابِ بهم كمثلِ الذينَ منْ قبلِهِم إلخ. ومثلُ المنافقينَ في إغرائِهِم إيَّاهُم على القتالِ حسبما نُقِلَ عنهُم {كمثلِ الشيطانِ إِذْ قال للإنسان اكفر} أيْ أغراهُ على الكفرِ إغراءِ الآمرِ المأمورَ على المأمورِ بهِ {فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنّى بَرِيء مّنكَ} وقرئ {أنا بريءٌ منكَ}. إنْ أريدَ بالإنسانِ الجنسُ فهذَا التبرؤُ منَ الشيطانِ يكونُ يومَ القيامةِ كما ينبئُ عنْهُ قولهُ تعالى: {إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} وإنْ أُرِيدَ بهِ أبو جهلٍ، فقولهُ تعالى: {اكفر} عبارةٌ عنْ قول إبليسِ يومَ بدرٍ {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} وتبرؤه قوله يومئذٍ {إِنّي بَرِيء مّنْكُمْ إِنّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنّي أَخَافُ الله} الآيةَ {فَكَانَ عاقبتهما} بالنصبِ على أنَّهُ خبرُ كانَ واسمُهَا {أَنَّهُمَا في النار} وقرئ بالعكسِ وقد مرَّ أنه أوضحُ {خالدين فِيهَا} وقرئ {خالدانِ فيها} عَلى أنه خبرُ أنَّ و{في النارِ} لغوٌ {وَذَلِكَ جَزَاء الظالمين} أي الخلودُ في النارِ جزاءُ الظالمينَ على الإطلاقِ دونَ هؤلاءِ خاصَّة. اهـ.
|